نولد أحرار نعشق الحرية و الحياة و الاحلام، نكره القمع و القيود و الموت، نرفض الظلم و الاهانة، نصرخ فيمن يظلمنا، و نغضب عند تجاهلنا و نطلب ما نريد عندما نريد ! نولد أحرار ولا تزال جميع حواس الحرية التي بداخلنا منتعشة تعطيك جرسا للإنذار إذا مس أحد حريتك أو تعدى على شئ هو حق من حقوقك ! و لكن في مثل هذا المناخ لا ينمو ديكتاتور ! إلى كل من يريد أن يصبح ديكتاتوراً طاغية.. تعلم كيف تصنع العبيد اولا؟
عليك أن توجه البشر إلى إنك الإله المخلص، السد المنيع، رجل الأمن الأول، مانع الفوضى، صمام الأمان الذي يحميهم بداية من اللصوص و قطاع الطرق و حتى الحروب مع الاعداء الخارجيين . استخدم الخطب و العظات الدينية في تمجيدك و شكرك و الدعاء لك بالعمر المديد و العقل الرشيد و الصحة الوافرة و التوفيق الدائم لأنك انت و من بعدك الطوفان، اجعلهم يصلون لله شكرا لأنه هداهم إليك فأنت لا أحد خير منك ولا أحد يعرف ما تعرفه. ضع صورتك في كل مكان، في اقسام الشرطة و المصالح و المستشفيات و المدارس الحكومية ، على طابع البريد و على اللوحات الاعلانية ، على أسوار المدينة و المدارس و الجامعة و على الكتب المدرسية ! اجعلهم يشعرون إنك موجود في كل مكان ، تراهم في كل حين و تعرف ما يدور بينهم في كل وقت .
استخدم إعلامك في وصفك بالفخامة و الزهو، بإنك أنت راعي كل شئ و إن بتوجيهاتك يحدث كل شئ لأنك أنت النابغة العلامة العبقري الذي يفهم في السياسة و الاقتصاد و الامور الاجتماعية و العسكرية و في السياحة و الثقافة و الرياضة و الفنون ، أنت الراعي الاول ولا غيرك ، أنت المخلص الاول ولا غيرك !. استخدم الافلام و المسلسلات و النكات الكوميدية في غرس افكار و خلفيات مرعبة في عقلهم عن الشرطة و قساوتها و الجيش و جبروته ، استخدم تلك الافلام و الاغاني التافهة في تسطيح ثقافة البشر حتى و أن حدثهم أحد في أمر هام أو بالغ الخطورة كالحرية أو الكرامة أو العدالة الاجتماعية " استتفهوه " هو لأن ما يتحدث فيه لا يشغل ثقافتهم المسطحة ! انشر في ثقافتهم أمثال و اجعلها شعبية تجعلهم يرتعبون منك دون أن ترعبهم و مثال على ذلك : امشي جنب الحيط تسلم ، يا بخت من بات مظلوم ولا باتش ظالم ، الحيطان لها ودان ، ابعد عن الشر و غنيله و ما إلى ذلك من قيم تدعو إلى الإنهزامية و الخوف من مواجهة الظالم !
استخدم جيشك في كسر نفوس الشباب و إهانتهم بحجة إنه مصنع الرجال و لكن في حقيقة الأمر هو مصنع العبيد فلابد أن يتحملوا ما لا يتحمله آدمي، و لأنه في هذا الجيش لابد أن يتخرج رجل صلب قوي فعليه أن يمسح حمام القائد، و ينظف أحذية الضباط ، يحضر أطفال اللواء من المدرسة و يشتري لزوجة العميد ما تريده من فاكهة و خضروات ، يأكل اسوء أنواع الطعام في الوجود، ينام في أقذر الاماكن على الإطلاق حيث الحشرات لها حق الاغلبية ، ثم يخرج من هذا الجيش لا يعرف إن قامت حرب ماذا سيفعل ؟ هل سيلقي العدو بأجزاء من حمام القائد أم ببعض أحذية الضباط ؟ أم أنه سينصب للعدو كمينا ثم يوسعه ضربا بـ " كراريس و كتب " أطفال اللواء ؟ أو ربما سوف يهاجم العدو بالفاكهة و الخضروات التي كان يشتريها لزوجة العميد ؟ تلك الاسئلة لم ولا و لن يعلم اجاباتها ، فهو قد يخرج من تلك الخدمة المنزلية و ليست العسكرية كما يدعون و ربما لا يعلم الفرق بين الدبابة و المدرعة ؟ كل ما يعلمه أن الخبز الذي يشتريه من الافران القاتلة – ولا اقصد افران هتلر – ولكن الافران التي يتجمهر عليها مئات و يقع في صفوفها شهداء ! فإنه سيجد هذا الخبز رغم سوءه هو أفضل بكثير من الخبز الذي كان يحصل عليه في الجيش ، و الفواكه و الخضروات الذابلة الهالكة تلك رغم سوءها فلن تكون أسوء مما كان يتغذى عليه في الجيش ، و إن أهانه شرطي يرتدي " بدلة ميري " فقد أهانه من يرتدي " البدلة العسكرية " من قبل و لم يكن يجرؤ على الاعتراض و قد أدمن الاهانة حتى أصبحت بالنسبة له " أسلوب حياة " فلمَ يعترض على هذا الشرطي الذي يمثل سلطة أخرى من سلطت النظام مع اختلاف " البدلة " فقط ؟
يا من ترغب في أن تصبح ديكتاتوراَ طاغية .. أصنع العبيد أولا ، إسلب من شعبك كرامتهم و نخوتهم و رجولتهم، اوقف حواس الحرية فيهم ، اجعلهم كالأنعام المغطاة أعينها التي تدور في سواقي الحياة لا تعرف لماذا تدور و متى سيستقيم الطريق ؟ أو متى ستصل إلى نهاية هذا الطريق الدائري لأنه ببساطة لا نهاية له ! اجعلهم لا يفكرون إلا في أن يناموا و يستيقظوا و يأكلوا و يشربوا و يلبوا نداء الطبيعة حتى يستمروا في الدوران لعلهم يصلون إلى نهاية تلك الدائرة المفرغة !
يا أيها الديكتاتور الجديد .. اجعلهم يزرعون ولا يحصدون ، يعملون و ينتجون ولا يربحون ، يصرفون كل ما يأخذون قبل أن يوفروا نصف ما يحتاجون ، ينامون ولا يحلمون ، ينشغلون ولا يتنبهون حتى يصبحوا بشرا يغضبون ولا يتحدثون ، تُهتَك أعراضهم ولا يصرخون ، يُقمَعون ولا يتمردون ، يُقتَلون ولا يثورون !

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق